ما بين الجزائر ومدريد هو خط رفيع إسمه المواقف!
بقلم:محمد لمين حمدي
على مر العصور ظلت الجزائر بلد المواقف الراسخة رسوخ جبال الاوراس وجرجرة والهكار الراسيات، ولم يكتب التاريخ انها خانت يوماً أي دولة مهما كانت الظروف والمبررات، وتحملت في ذلك المؤمرات التي احيكت عليها من كل حدب وصوب منذ الإستعمار الفرنسي البغيض إلى يومنا هذا لتبقى الجزائر تلك الدولة الشامخة المتأنية والثابتة في مواقفها وسياستها الخارجية لم تؤذي أحد ولم تتدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ظلت الجزائر تلك الدولة المعهودة والمعروفة بمواقفها التاريخية الثابتة من كافة القضايا الدولية والاقليمية وفق قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية وفي مقدمتهم فلسطين والصحراء الغربية حيث دافعت الجزائر عن المضطهدين والمظلومين في كل بقاع العالم لأن من تجرع الظلم والإستعمار و أعطى الغالي والنفيس من أجل الحرية والإنعتاق لا يمكنه أن ينسى المقهورين من حوله جراء الإحتلال والظلم بعيداً عن لغة المصالح وشعارات غلمان وعملاء الإستعمار والأعداء.
كانت الجزائر وفية لمعاهداتها وإتفاقياتها مع مدريد بل ظلت إن لم تكن الدولة الوحيدة في المنطقة تتعاون بكل ثقة وحسن نية ولم تتخلف يوماً عن تعهداتها وإلتزاماتها وفق ما تنص عليه تلك الإتفاقيات والمعاهدات وتعلم مدريد جيداً بأن الجزائر كانت البلد الموثوق والآمن والذي لا خوف عليه رغم المكائد من هنا وهناك.
وفي ظل الأزمة التي نشبت الصيف الماضي بين الرباط ومدريد حول إستقبال إسبانيا للرئيس الصحراوي ابراهيم غالي وما رأيناه من إبتزاز وتهديد من قبل نظام المخزن لمدريد الذي لا يفقه إلا لغة التهديد والوعيد بل سخر دعايته وأزلامه من اجل تشويه نضال الشعب الصحراوي ورئيسه وحتى وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة ارانتشا غونزاليس لم تسلم من سموم الرباط المعهودة، لتكشف لنا الأيام ما كان عنا في الظلام من خلال تقرير صحيفة البايس الإسبانية ذائعة الصيت حول ما قامت به مخابرات المخزن عبر عملائها في إسبانيا وتلك حقائق لا يمكن نكرانها.
المثير والغريب أن الرباط واصلت إبتزازها لمدريد عبر التجسس عليها من خلال برنامج بيغاسوس التابع للكيان وهي الفضيحة التي جرت رئيس الحكومة الإسبانية إلى المُسألة في البرلمان الإسباني مما أدى إلى التضحية برئيسة المخابرات السابقة باث إستيبان لوبيث بعد التضحية بأرانتشا غونزاليس ليخرج علينا رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز بقرار مفاجئ ومخالف للشرعية والقوانين الدولية مؤيداً لمقترح عفى عنه الزمن ومرفوض من الشعب الإسباني والطبقة السياسية حتى من داخل حكومته بل والأكثر من ذلك زيارته للرباط من دون حياء لتكشف لنا البايس أيضا في تحقيقها الأخير بأن الزيارة جاءات من أجل طي صفحة سبتة ومليلية مقابل دعم حكومة سانشيز لمقترح الحكم الذاتي المغربي وهي مقايضة عجيبة بين إستعمار سابق ومحتل حالي.
لم تتقبل الجزائر تلك الإستفزازت إن صح التعبير وهي التي لم تبخل يوما على إسبانيا وظلت وفية لتعهداتها حيث استدعت سفيرها لدى مدريد ونشير بأن هناك بند في إتفاقية التعاون بين البلدين يؤكد إتفاق الطرفين في وجهات النظر في القضايا الدولية والإقليمية وهو البند الذي نقضته مدريد واختارت الانصياع لإبتزازات الرباط لتتخذ الجزائر اليوم موقف أكثر حزما وهو إلغاء إتفاقية التعاون مع إسبانيا بسبب تجاوزاتها المتكررة وعدم إحترامها وتحمل مسؤولياتها إزاء مستعمرتها السابقة الصحراء الغربية المحتلة.
الجزائر لا تبتز ولا تخضع للابتزاز، لكنها تعرف من أين تضيق الخناق على من تسول له نفسه المساس بثوابتها ومصالحها، كما تعرف كيف تدير الأزمات حق المعرفة والتصرف مع من لا يحترم العهود والمواثيق بعد صبر وصبر طويل فالجزائر لها تاريخ حافل بالمواقف والمواقف التي لا يمكن نسيانها فهي سيدة على نفسها بشهادة الصديق قبل العدو ولنا في الماضي والحاضر عبر كثيرة.
يومية الوسط الجزائرية