أزمة الإعلام إختزال لأزمة بنيوية ..!!
“رب ضارة نافعة”…
ما كنت اتوقع ان تحدث معالجات موضوعية زوبعة اعلامية مثلما هو الحال الآن..واستغرب أن تثور ثائرة البعض في محاولة تبريرية يائسة للتستر على واقعنا الإعلامي المهيض!!!
طيب ؛ لايجادل إثنان اليوم أن الحقل الإعلامي يشهد ردة وانتكاسة إن على مستوى البناء والعطاء والأداء…ويجتر العلل المفصلية التي أعاقت تلك الإنطلاقة الفعلية التي راهنت عليها الاجيال في تعاقبها..وهو مايعكس بالمقابل عدم مسايرة التطورات الحاصلة في مستويات أخرى تمكنت – رغم المعوقات – أن توجد لها مكانة في الساحة الدولية بمجهودات ومكابرة ذاتية في الغالب لبعض الإطارات الوطنية الصحراوية رسميا وبصفة مستقلة أحيانا أخرى…
إن ما يقال عن الإعلام ينسحب على قطاعات عريضة تعاني وربما بشكل اعمق من تداعيات الأزمة ذاتها..
فأين ياترى مكمن الداء؟ وماهي الوسائل الكفيلة للخروج من هذه الوضعية المستفحلة ؟
إن معالجة الواقع الإعلامي ترتبط بتلك النظرة الشمولية لمتطلبات المرحلة ؛ وهذا يقودنا بدوره إلى واقع ارحب بتراكماته وإكراهاته وتحدياته..وبمعنى ادق، إن ازمة الإعلام ليست سوى الصورة المختزلة إنعكاسيا لأزمة بنيوية تستحكم في مقاليد الأمور والميادين الحساسة ، كما هي مرتبطة بتلك النظرة القاصرة للإجابة على تحديات المرحلة…
إن نمط التفكير القائم على الإرتجال والإعتباطية والإسقاط وعقلية “القطيع” وتغييب الحس النقدي والتحليل العلمي، والإقصاء المتعمد للنخب المثقفة، وعدم إشراكها في رسم الخطط وتحديد وتحديث البرامج ووضع التكتيكات المناسبة خدمة لإستراتيجية مدروسة ومحددة ؛إن هذا النمط أعاق ذاك التطور المنشود فاصبحنا ندور في حلقة مفرغة مكرورة نمطيا بنفس الاساليب والحسابات والاعتبارات!!….والأنكى حينما تكون الأمزجة معيارا للتقييم ومصدرا للأحكام!! . ..وهنا نجد انفسنا امام خيارين لا ثالث لهما: إما التساكن مع ثبوتية النمط، وهذا تكريس مخز لظلال الازمة وعناصر نشاتها، وهو سلوك عدمي انغمس فيه الكثير من الوصوليين من ذوي المصالح والامتيازات والتطلعات ؛ واما الرفض القاطع لهذا التوجه والقطيعة معه ،مما يعنيه ذلك من إقصاء وتهميش وتخوين في ظل العلاقات اللامتكافئة ، وهيمنة عقلية القبول بالأمر الواقع والتعايش معه، مع غياب تجذر الوعي في الكثير من الأوساط الفاعلة وانسياقها وراء الحملات المغرضة والشعارات “الثوروية” ..واختزالا ارى من وجهة نظري المتواضعة أننا مع غلبة” مفهوم الدولة” على حساب “مفهوم الثورة” نكون قد قوضنا اسس الإستمرارية والعطاء والتوهج ونحن لما نخرج بعد من مرحلة التحرير..إن فك هذا الإشكال او تطويعه بين عنصري هذه الثنائية سيسم العمل بالتخبط والتقاطع، وتصبح بعض القيم والمفاهيم التي كانت مغيبة في عهدة الثورة مسوغة ومقبولة في كنف الدولة !!!…إن الظواهر المجتمعية التي افرزتها المرحلة سياسيا وفكريا وماديا نتاج طبيعي لسيطرة التوجهات المستحدثة ؛ والتي تمثل ارتدادا مخزيا أجهض تطلعنالنهضة ملموسة في المستويات الداخلية؛ وهذا مرده تحكم تيارات مكبلة بمنطقها الرجعي، والتي تحاول بكل ما اوتيت الإجهاز على ماتبقى من المكاسب والإنجازات التي قدمنا من أجلها قوافل الشهداء والكثير من التضحيات…
إذن إن اختزال الأزمة في الحقل الإعلامي ابتسار للحقيقة لأنها أعمق وتلقي بظلالها على كل ميادين التجربة الوطنية…إنها ازمة تفكير وتدبير وتسيير…لأنه لايعقل بعد كل هذه السنوات الطوال ونحن لازلنا نتساءل: ما العمل لتذليل العقبات؟
طبعا لكل مرحلة مرحلة خططها وبرامجها وأدواتها وفق إستراتيجية استشرافية ؛ ولكن في الكثير من الاحيان لازلنا نكرس نفس التفكير النمطي خلافا لمنطق التطور!!!اذن كيف نخرج من هذه الدوامة؟
لابد من نقد التجربة وتشريح كل جوانبها بشكل علمي وموضوعي عبر إشراك الطاقات المبدعة من ساسة ومفكرين ومثقفين ومهتمين في علاقة جدلية تشاركية ؛ ودون إقصاء ووصاية وإملاء لرسم معالم المرحلة ومتطلباتها المادية والمعنوية؛ وهذا من شانه تخليص التجربة من الشوائب والإنطلاق نحو فضاء ارحب للمساهمة والإبداع كل من موقعه وحسب مؤهلاته..فلا مناص من هذا العمل الجماعي لتنصهر كل الكفاءات في حمى المعركة وتسخر كل الإمكانيات لخدمة هذا الهدف وحتى لا نلقي باللائمة على جهة بذاتها ؛ واظن اننا لن نختلف تقريريا بأن وضعنا الداخلي يحتاج في المقام الأول إلى مراجعة جادة وحازمة للتخلص من أدران الماضي وشوائبه الهجينة!!!
بقلم : م. النعمة علي سالم