مقالات

الإعلام الوطني مسؤولية من؟

قصاصة سريعة لوكالة الأنباء الصحراوية وصلت الى موقع “الصحراء الغربية 24” ليلة الخميس الماضي تحدثت عن ندوة “وطنية” للإعلام تنظم بولاية أوسرد بمناسبة يوم تأسيس الإذاعة الوطنية في 28 دجنبر 1975.
من دواعي الاستغراب أن يُحضَّر تحت جناح الظلام لندوة للإعلام قيل إنها وطنية، ويكون أصحاب الاختصاص هم آخر من يعلم بها وهم أول المقصيين من حضور أشغالها. ألم يكن من المنطقي أن يتم التحضير منذ شهور لهذه الندوة – بما أنها وطنية – عبر لجان إعلامية ذات خبرة بالحقل الإعلامي سواء كانت بالداخل أو الخارج تشتغل على مشروع وطني قادر على رفع التحدي الإعلامي وجعل القضية الوطنية في واجهة الأحداث وإعادة الصاع بصاعين للإعلام المعادي؟ اليس كان من الأجدر اسهام كافة الوسائط الإعلامية المستقلة (صحفيو المواقع الإعلامية والمدونون والكتاب وكافة صناع الرأي الصحراويين) في إعداد أرضية إعلامية علمية واحترافية قادرة على إحداث تحول على صعيد الوسيلة الإعلامية في حد ذاتها والمحتوى الإعلامي وحتى الجمهور المتلق؟ كيف لصحفيين في الميدان بالشهيد الحافظ ومن داخل وزارة الإعلام لا يشاركون في الإعداد ولا حتى يُخبَروا بندوة تعنيهم؟ من له مصلحة في تقزيم الإعلام الوطني والإجهاز على ما تبقى منه بعد أن أصبح أداؤه في الحضيض في زمن العودة الى الحرب وتشابك المؤامرات على الشعب الصحراوي؟ ربما المهم عند القائمين على المؤسسة الإعلامية ومن يجاريهم في شغلتهم هذه، هو تمرير نقطة في برنامج العمل الوطني للمؤتمر الفائت تنص على تنظيم ندوة وطنية للإعلام (تزواز ملامة) وليس النية في إخراج إعلام الجبهة والدولة الصحراوية من عنق الزجاجة. إن الحضور الهزيل ونوعيته وبرنامج الندوة يكفي عن البحث بعيدا.
هل يدرك من يعنيهم الأمر بأن صوتنا أصبح مبحوحا وتأثيرنا ضعيفا على مستوى الإعلام الرسمي، لسبب رئيس هو الجهل بفن الإعلام والدعاية وعدم الرغبة من الاستفادة من التجربة الإعلامية الوطنية الرائدة التي تبلورت في خضم النضال وتحت الرصاص إضافة الى التجاهل المفرط لدور جبهة الإعلام التي قفزت بها التكنولوجيا الحديثة الى جبهة أولى في سياسات الدول وجعلتها في حالة هجومية مستمرة وخصصت لذلك إمكانيات مادية وبشرية كبيرة. إن المتتبع للإعلام الصحراوي الرسمي يلاحظ عدم وجود استراتيجية وخطة عمل تتطور وتتكيف مع المتغيرات، لها أهداف واضحة ذكية محددة وقابلة للقياس و قابلة للتحقيق وإلا كيف بمدون واحد بإمكانيات بسيطة وبخبر زائف يزعزع ترسانة وزارة الإعلام الوطني ويحشرها في الزاوية، بسحب الجمهور المتلق من تحت أقدامها، الشيء الذي يجرنا الى الحديث عن الجهل المطبق لما يميز القرن الواحد و العشرين، المطبوع بثورة الاتصالات و تطورها السريع و ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي هي قفزة نوعية في الإعلام الحديث، أصبح لها تأثيرا ملموسا على كافة الممارسات السياسية والاجتماعية و غيرها، تستهدف الأفراد و المؤسسات على حد السواء. فهل هناك خطة في كيفية الاستفادة من هذه الوسائط وتجنب تأثيرها؟ لربما الندوة “الوطنية” درست ذلك!
إن الإعلام الصحراوي بجانبيه الرسمي والمستقل يفرض اليوم على من بيده القرار، التفتح على المفاهيم الجديدة والمبادرة في معالجة الخلل في المؤسسة الإعلامية الصحراوية، بصياغة رؤية استراتيجية شاملة للتعامل مع الواقع الإعلامي المتجدد في إطار من المهنية والاحترافية مع رسم خطة فعالة ومؤثرة للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي ويمكن الاستفادة بالنسبة لهذه الأخيرة من التجربة الجزائرية الأقرب والتي نشترك معها في مواجهة نفس الهجمات من نفس الخصم، أو التجربة المصرية التي أنشأت مجلسا يسمى “المجلس الأعلى للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي” ويتبع مباشرة لرئيس مجلس الوزراء بحيث يختص بالإشراف و الإعداد ووضع الخطة للتعامل مع كل جديد في وسائل التواصل الاجتماعي و متابعتها يوميا وفق أسس معرفية مدروسة.
على مستوى معين في الدولة الصحراوية يمكن إيجاد الإطار الذي يجعل من وسائل التواصل الاجتماعي جبهة إعلامية متقدمة حاضرة وتعمل 24\24 ساعة وتكون في تكاملية وامتداد طبيعي للوسائط الإعلامية الأخرى الرسمية أو المستقل. إن الإعلام الوطني يحتاج الى وقفة حقيقية لمعالجة الاختلالات وابتكار الطرق الكفيلة بجلب الكفاءات من الشباب و خلق لهم أسباب البقاء و الاستمرارية في المؤسسة مع عدم كبح طموحهم في ريادة العمل الإعلامي و تسيير المؤسسة إن كانوا اهلا لذلك إضافة الى ربط التواصل المثمر مع القدرات العالية، الملتزمة والمُنافحة ليل نهار عن القضية الوطنية المتواجدة بالخارج و التي لا تريد جزاء و لا شكورا من أحد، لقد كان لهذه النخبة الفضل في ملئ الفراغ الإعلامي الذي لم يصله الإعلاميون والسياسيون الرسميون في الفضائيات والمواقع الإخبارية الأجنبية وبمختلف اللغات بتمكن وقدرة على التعبير و المحاجة وإدارة الحوار.

يمكن أن يسأل سائل لماذا هذه الكفاءات خاصة الإعلاميين منهم لا تعود الى المؤسسة بالشهيد الحافظ إن كانت نيتها صادقة ولها غيرة على الإعلام الوطني عوض البقاء في الخارج؟ إن من يكرر هذا الكلام اليوم، إن كان قصده نزيها ونواياه صادقة، نقول ببساطة أنه يجهل واقع الإعلام المعاصر فهذا الرأي يمكن أن يكون صحيحا ويمكن تطبيقه الى حد ما في مؤسسة أخرى غير مؤسسة الإعلام الوطني. إن الطفرة المعلوماتية والثورة التكنولوجية التي أصبحت في متناول الجميع جعلت بالإمكان تسيير ترسانة إعلامية بتلفزيوناتها وإذاعاتها وصحفها من أي نقطة من العالم، قناة العربية السعودية تبث من لندن وإدارتها في الرياض صحيفة الأهرام المصرية تصدر في القاهرة وهيئة تحريرها قاطنة بين واشنطن ولندن هذان مثالان فقط للدلالة الشيء الذي يفرض التفكير بمنطق الأشياء و المبادرة في استغلال الإمكانات التي توفرها التكنولوجيا بتشجيع اسهامات الإعلاميين من واقع تواجدهم عوض الدوران في الكلام غير مسؤول ( اللّي مَاهُ امْعان ف الميدان ماهو مَنَ)
إن الندوة “الوطنية” للإعلام التي مرت مرور الكرام من ولاية اوسرد، بحكم أنها ندوة وطنية ليست محلية أوداخلية تخص الوزارة المعنية كان المأمول منها الكثير البحث على سبيل المثال لا الحصر عن كيفية إعادة بناء الجسم الإعلامي وصياغة بدائل معقولة وواقعية تحوي كل الشتات الإعلامي لينصهر الكل في عمل متكامل، منسق وهجومي عوض الحقيقة البائسة التي رسمتها عن الواقع الإعلامي الوطني.
الى متى يترك إذا الحبل على الغارب وتترك مؤسسة بهذا الحجم تحمل إرثا تاريخيا كصوت ولسان للشعب الصحراوي يُلجم صوتها ويُخفت إشعاعها؟ فذلك تقاعس مشين واضراره ستكون بالغة الخطورة على مسار القضية الوطنية وعلى عموم الشعب الصحراوي.
يبقى السؤال المطروح ونحن نلج عام 2024 هو: الإعلام الوطني مسؤولية من؟
بقلم: محمد فاضل محمد سالم الهيط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى