ندوة الإعلام “إستفاقة أم تكريس للفشل؟
ضمن الحقائق التي لا يُمكن إنكارها اليوم ، أن الإعلام الصحراوي بوسائطه المختلفة، وبدل أن يحقق تقدماً يواكب التطورات وتحدياتها، نراه يُسجل تراجعاً تلو الآخر، دون تحقيق أي منهج إعلامي موضوعي، متمنطقا بخطاب إعلامي يدار بنفس الأساليب و العقلية و النوايا…
و لم تتطلب ما أطلق عليه ب”الندوة الوطنية للإعلام” الحاجة إلى كثير من الوقت حتى تفصح مبكرا عن أزمة الإعلام الصحراوي ، و هي تعرض لنا مضمون جدول اعمالها الضعيف جدا و النتائج الهزيلة التي لا ترقى إلى المأمول من ندوة توصف ب”الوطنية”كان يفترض بها ان تستهدف النهوض بالإعلام، وعليها تتحين رهانات انطلاقة فعلية مؤسسة على تحليل علمي مدروس لواقع الاعلام الصحراوي وخاصة في ظروف الحرب الراهنة…
إن الغيرة على هذه المؤسسة و إحتراما لأمانة المهنة وقدسيتها وما تقتضيه من عرفان لأولائك الذين وضعوا لبناتها الأولى ؛ يجعلنا نشدد أن الإعلام الوطني يستحق منا وقفة تأمّل مفصلية أبعد من تصور قاصر ومحدود الأفق بنى برامجه في ” هذه الندوة” بهذه الصيغة.!!
قد لا يكون المشهد غريباً عمن يدرك ماهية الإعلام الوطني، ولا بعيداً عن نماذج تسير هذه المؤسسة ، لكن الفارق أن طريقة تنظيم “الندوة “قد أظهر -وللاسف الشديد- للعلن اليوم بؤس التخطيط للإعلام الصحراوي !!؟؟ و اليوم ها نحن نكتشف أنها ندوة وطنية جوفاء للإعلام ، وأي معنى ياترى لندوة مختصة في غياب اهل الاختصاص؟؟؟!!! …
إن طريقة تنظيم ال”الندوة” تشي بوجود إختلالات بنيوية في جسم الإعلام الوطني الصحراوي وأخرى مهنية، وهو ما لا يقلل طبعا من قيمة الإنجاز المحقق في مراحل سابقة ومحددة ، لكنها تطرح علينا تحديات لابد من مجابهتها وأسئلة لابد من الإجابة عنها.
يؤسفني ان اقول ان إعلامنا الوطني الرسمي اليوم لا استراتيجية له، ولا حتى برامج و أهداف ،وان معظم سياسات هذا الاعلام أصبحت قائمة على الاعتباطية والفوضوية رغم الحاجة له ؛ و عند هذه النقطة تحديدا فإن التحدي الحقيقي الذي لا يزال يواجه الاعلاميين الصحراويين هو افتقاد الإجابة عن سؤال طرح منذ زمن طويل مع عديد الأسئلة الاخرى : ماذا تريد الحركة و الدولة من الإعلام؟ وما الرسالة الملقاة على عاتقه في الواقع الراهن؟ و هل نحن ندرك أهمية هذه المؤسسة في هذا الوقت بالذات؟وحين يسأل الصحراويون عن هذا الموضوع الحيوي كأنشغال قائم وملح ، فمعناه أن “السيل قد بلغ الزبى ” ومن حقهم الحصول على اجابات مقنعة.
و اذا كانت حقبة السبعينات والتسعينات قد شكلت أفضل حالات الإعلام الصحراوي بسبب وجود مجموعة من المناضلين الذين ساهموا في بناء صرح المدرسة الإعلامية و تشربوا من قيم المهنة بكل صدق ، وآخرون تمرسوا في هذا الحقل وأضافوا له نقلة نوعية ؛ فثمة تساؤل يفرض نفسه اليوم متعلقا بكيفية النهوض بالإعلام الصحراوي، ومكمن الازمة: هل يتعلق الأمر بشح الإمكانيات؟ ام يتعلق بكفاءات الساهرين عليه ؟ ام بعدم اعطاء الدولة الصحراوية العناية التامة له ؟ ام هو جزء من هذا الوضع الداخلي الذي يعاني و كباقي المؤسسات يحتاج لمراجعة تامة بمحددات و مرتكزات جديدة؟؟…
منذ عقود و الإعلام الصحراوي يعاني من أزمة مركبة ومعقدة و يدار بأسلوب هجين ومستهجن مع وجود وفرة في المعلومات عبر الكثير من الوسائط وبوسائل عدة،؛ والأهم من هذا وذاك، بات الإعلام الصحراوي وخطابه، ضعيف المحتوى، فارغ المضمون، في مواجهة تدفق معلوماتي هائل…وهذه بعينها لمفارقة صادمة.. لكن كما يقال “فاقد الشيء لا يعطيه!!”
و إنه لمن المستغرب اليوم التساؤل عن سبب اهمال كل القدرات و الكفاءات الوطنية التي تركت بصماتها الميدانية!! و كيف وصل بنا الحال الى هذا المنحى من الهبوط في الأداء ، والسماح له بالإنحدار الى الهاوية ….
لقد تكررت مثل هذه “الندوة ” او “الايام الوطنية للإعلام” عديد المرات و بشكل رتيب… وكانت الانجازات مجرد شعارات لاترقى لدرجة التجسيد الفعلي او الطفرة المرجوة ، و غابت الخطط والاهداف وسنظل حبيسي هذا المنطق الجامد تحت وطاة الإرتجال والعشوائية وقصر النظر إلى أن يحدث قلب في التفكير يخرج الإعلام الصحراوي من دائرة التساؤل والمعاناة ..
حقا نمر اليوم من واقع مر، و لا بد ان يقود ذلك الى مراجعة جادة في افق خلق وضع تتوافر فيه الآليات لفك ألغاز كثيرة تسببت في هذا الجمود رغم تعنت ومكابرة تلك الوجوه التي لا تقر بهذا الحال ، بل لا تريد له أن يثار و خاصة إذا ادلى ذووا الاختصاص من الإعلاميين والمهتمين بدلوهم في الموضوع.. وكنتيجة لهذا الصدود والإهمال لايسمح لأي كان بالتشريح الحقيقي و الموضوعي لكونه سيكشف فصولاً- ربما حتى اللحظة- غائبة عن البعض و مستترة خلف حجب الشعارات الكاذبة و السياسات الفاشلة.
و المسألة اليوم اظن ليست استنتاجاً أو تفسيراً، بقدر ما هي توصيف لواقع ندركه كما يدركه كل مهتم بالإعلام الصحراوي، و حقيقة مرة و مطلقة لا بد من مواجهتها بكل صراحة و شجاعة فهل هناك أذان صاغية؟؟!!.
بقلم: لحسن بولسان