ثمرة ثورة الياسمين المجيدة في تونس، عصية على الابتزاز.
يحاول بعض الكتاب والصحفيين المأجورين ان يوهموا الراي العام التونسي والعربي والدولي، بان النظام التونسي التزم في السابق موقف الحياد من النزاع في الصحراء الغربية، وان نظام المخزن في المغرب الاقصى، احترم له ذلك الموقف الذي أصبح تقليدا تتوارثه الأنظمة المتعاقبة، حتى جاء الرئيس قيس سعيد فانقلب عليه.
ولكن الوقائع على الأرض تثبت زيف اقوالهم وما يكتبون.
فخلال فترة حكم زين العابدين بن علي، كان موقف تونس دائما داعما لاحتلال المغرب للصحراء الغربية من تحت الطاولة، وأحيانا كثيرة من فوقها، ولم يسجل فيما نعلم في تلك الحقبة أي موقف سياسي يحسب للنظام التونسي على انه حياد او حتى شبه حياد بالمعنى الواسع للمصطلح، كالتاكيد على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره, لا في الوحدة الافريقية، ولا في الاتحاد الافريقي بعد ذلك، ولا في اتحاد المغرب العربي، ولا في الأمم المتحدة, ولا في مجلس الامن الدولي…
مثلما لم نسجل له ايضا فيما نعلم أي دعم انساني في تلك الحقبة للشعب الصحراوي العربي المسلم, الذي كان عليه وهو الذي يدعي الحياد في قضية لم تحسم بعد, ان يضع في الحسبان علاقات الجوار والمصالح المشتركة مع الشعب الصحراوي, في منطقة المغرب العربي وفي القارة الافريقية والعالم, اذا استثنينا ما تفرضه عليه اواصر العروبة والإسلام, ناهيك عما يستدعيه البعد الإنساني والاخلاقي من حسن التعامل والتعايش المستقبلي بين الشعوب.
وعلى خلاف المملكة العربية السعودية التي رغم دعمها المكشوف والمؤسف لغزو نظام المخزن للصحراء الغربية، الا انها قدمت في أكثر من مناسبة دعما إنسانيا للشعب الصحراوي، وكذلك دولة قطر.
وبعد ثورة الياسمين التي أوصلت منصف المرزوقي الى سدة الحكم بتونس، خرج الموقف التونسي الى العلن وأصبح داعما بشكل مكشوف لاحتلال المغرب للصحراء الغربية.
لقد خضع المرزوقي لابتزاز المغرب، وتحول الى داعم لاحتلاله للصحراء الغربية ولما يسميه المغرب بالحكم الذاتي.
وبعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية، وفشل محاولاته المتكررة، تحول الى بوق يدعم احتلال المغرب للصحراء الغربية، وتشريده لشعبها, ويروج لما يسميه بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، بل أكثر من ذلك اعلن اصطفافه معه ضد الجزائر في دعم مكشوف لما يدعيه المغرب بان مشكل الصحراء الغربية “افتعلته الجزائر لتهديد الوحدة الترابية للمغرب”, في محاولة يائسة لتعميق الهوة بين الشعبين الشقيقين التونسي والجزائري.
والواقع ان التزام تونس بموقف الحياد من قضية الصحراء الغربية، تجلى بشكل لا غبار عليه في فترة حكم الباجي قايد السبسي رحمه لله عليه، الذي أجل رئيس حكومته آنذاك لحبيب الصيد زيارته الى المغرب التي كانت مقررة منتصف شهر فبراير 2016 في اخر لحظة، بعدما تبين أن ملك المغرب محمد السادس ينوي استقباله بالعيون عاصمة الصحراء الغربية المحتلة، حفاظا على موقف تونس غير المنحاز في نزاع الصحراء الغربية، حسبما نقلت آنذاك مجلة “جون افريك” الفرنسية.
زيارة رئيس الحكومة التونسية “لحبيب الصيد” التي استأنفها 11 ماي 2016 , اختتمت بندوة صحفية عبر خلالها عن موقف بلاده من قضية الصحراء الغربية بالقول:” ان قضية الصحراء الغربية مطروحة لدى الامم المتحدة، وان اي حل بشأنها يتم باتفاق الطرفين في إطار الامم المتحدة، تدعمه تونس، وهذا هو موقفها بالنسبة لقضية الصحراء الغربية “.
الا ان المغرب أعاد الكرة من جديد مع رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد شهر يونيو 2017, في محاولة يائسة لاخراج تونس من موقفها المحايد، وذلك بتضمين المحضر الذي وثق لقاءات اللجنة العليا المشتركة التونسية – المغربية، فقرة تنص على اعتراف تونس بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، الشيء الذي رفضه الوفد الرسمي التونسي.
وصرح يوسف الشاهد بعد انتهاء لقاءات اللجنة العليا المشتركة التونسية – المغربية التي تُوِّجت بالتوقيع على 9 اتفاقيات بين البلدَيْن بمدينة الرباط عاصمة المغرب، بالقول ” إنّ تونس لن تكون طرفاً في النزاع بشأن الصحراء الغربية “.
وكان من المقرّر أن يلتقي الشاهد والوفد الرسمي المرافق له بملك المغرب، إلا أنّ المقابلة تم إلغاؤها في اللحظات الأخيرة بطريقة غير متوقعة، حيث اعتذر الديوان الملكي عن المقابلة بسبب تعرّض الملك لوعكة صحية.
وقال مصدر رفيع في رئاسة الحكومة التونسية لقناة الميادين آنذاك: ” إنّ سبب رفض الملك المغربي محمد السادس لقاء رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، خلال زيارته الأخيرة للمغرب، يعود إلى رفض الأخير التوقيع على محضر اتفاق بين الدولتَيْن تنص إحدى فقراته على اعتراف تونس بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية”.
وتبقى محاولات الاحتلال المغربي لابتزاز تونس الجديدة, بجرها الى مستنقع الاعتراف بما يسميه بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية, تتكسر الواحدة تلو الاخرى على صخرة ارادة جيل ثورة الياسمين, الرافض للابتزاز والخنوع والخضوع، والذي قرر الوقوف مع الشرعية الدولية في دعم قضية الصحراء الغربية المدرجة في قائمة الإقاليم التي لم تتم تصفية الاستعمار منها.
ولا ادل على ذلك من الموقف المشرف للرئيس التونسي قيس سعيد باستقباله للرئيس الصحراوي على ارض تونس المضيافة، معلنا دعمه للشرعية الدولية, وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
فهنيئا للشعب التونسي بقيادته الجديدة, التي اعادت لثورة الياسمين بريقها، واريجها بعد ان كادت تفسده ايادي الانتهازيين والوصوليين ومن في قلوبهم مرض..