هل قررت باريس تغيير موقفها من القضية الصحراوية؟
في تطور لافت لا يستبعد أن يكون للجزائر دور فيه، برمجت فرنسا طرح قضية الصحراء الغربية في قمة الاتحاد من أجل المتوسط، التي كان من المفترض أن تحتضنها مدينة أليكانت الإسبانية، الجمعة، بحضور العديد من القادة الأوروبيين والعرب.
هذا الخبر أكدته وكالة الأنباء الإسبانية “إيفي”، وهو أمر غير مألوف، لأنه لم يسبق أن عالجت هذه الهيئة المتوسطية، القضية الصحراوية، التي ظلت على مدار عقود، حكرا على الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وقبله منظمة الوحدة الإفريقية.
والاتحاد المتوسطي هيئة استحدثها الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، بعد انتخابه في عام 2007، وسبق لشخصيات مغربية مقربة من نظام المخزن، أن تقلدت منصب الأمين العام فيها، على غرار فتح الله السجلماسي.
وتأجلت هذه القمة في آخر لحظة بسبب إصابة رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، بفيروس كورونا (كوفيد 19). ووفق المصدر ذاته، فإن الفرنسيين قرروا طرح القضية الصحراوية للنقاش في هذا الفضاء المتوسطي، من حيث كونها أحد العوامل التي تؤثر على سوق الطاقة ولاسيما الغاز، وذلك بالرغم من أن هذا الملف لم يكن مدرجا في جدول أعمال القمة.
ومعلوم أن القضية الصحراوية كانت من بين الأسباب التي أدت إلى تفجير الأزمة بين الجزائر وإسبانيا، بعد ما قررت حكومة هذه الأخيرة، التخلي عن موقفها الحيادي من النزاع في خاصرة المنطقة المغاربية، وانزلاقها نحو دعم مشروع الحكم الذاتي، الذي تقدم به نظام المخزن المغربي في عام 2007.
وفرضت الجزائر عقوبات شاملة على مدريد منذ انقلاب الموقف الإسباني من القضية الصحراوية، وكان قطاع الطاقة من بين ساحات الصراع، وقد حاول الطرف الإسباني جاهدا نقل النزاع إلى الاتحاد الأوروبي أملا في عزل الجزائر، غير أن الأوروبيين خذلوا مدريد وتركوها وحيدة في مواجهة العقوبات الجزائرية، التي قررت رفع أسعار الغاز وتخفيض شحناته إلى أدنى مستوى لها في العقود المبرمة بين الطرفين.
ويعني إثارة القضية الصحراوية في هذه الهيئة المتوسطية من قبل فرنسا، المزيد من الإحراج لنظام المخزن، لأن ذلك من شأنه أن يلفت الأنظار إلى ما يحدث في الأراضي الصحراوية المحتلة من انتهاكات لحقوق الإنسان، ونهب ثروات الشعب الصحراوي، التي أكدت المحاكم الأوروبية على رفضها، بإصدار قرارات تمنع دخولها الفضاء الأوروبي.
وربط المحللون إدراج الفرنسيين الملف الصحراوي في قمة الاتحاد المتوسطي، بالتقارب الجزائري الفرنسي، الذي جسدته زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون للجزائر، نهاية شهر أوت المنصرم، والتي تكللت، كما هو معلوم، بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات التي أعادت الكثير من الامتيازات والمصالح الفرنسية، التي تضررت في الجزائر على مدار السنوات القليلة الأخيرة.
وبالمقابل، يأتي هذا المستجد في وقت تشهد العلاقات الفرنسية المغربية انهيارا مثيرا بعد ما كانت باريس حليفا استراتيجيا لنظام المخزن وخاصة على صعيد القضية الصحراوية، وتجلت من خلال مغادرة سفيرة باريس، هيلين لوغال، لمنصبها في الرباط، تاركة السفارة شاغرة، بسبب العديد من الملفات، وعلى رأسها تجسس النظام المغربي على الرئيس الفرنسي والكثير من إطارات الدولة الفرنسية، فيما عرف بفضيحة “بيغاسوس”، وهو برمجية صهيونية اقتناها نظام المخزن بملايين الدولارات، وفق تحقيقات مستقلة لمؤسسات إعلامية وحقوقية من بينها منظمة “هيومن رايتش ووتش” وصحيفة “لوموند” الفرنسية.
المصدر: الشروق