سياسة

“صحراويون من أجل السلام” بوق جديد للمخزن 

نال الملتقى الدولي الذي نظمته مجموعة تطلق على نفسها اسم “صحراويون من أجل السلام”، بمدينة لاس بالماس بجزر الكناري الكناري الإسبانية، نهاية الأسبوع الماضي، تغطية إعلامية واسعة من طرف الإعلام المغربي وبعض الإعلام الإسباني، كما حضرته قيادات سياسية إسبانية سابقة في الحزب الاشتراكي معروفة بدعم أطروحة المغرب في الصحراء الغربية. لكن المثير للانتباه أن هذه الحركة التي تقدم نفسها كطرف ثالث في نزاع الصحراء الغربية، لم يقدم مؤسسوها سوى إعلانا لدعم وخدمة الأطروحة التوسعية للنظام المغربي.

وقد حاول أصحاب هذه “الحركة” التي أنشئت برعاية المخزن منذ سنتين فقط، تقديم أنفسهم من خلال هذا المؤتمر كطرف ثالث يطرح تصورا لحل النزاع القائم في الصحراء الغربية بين المغرب الذي يحتل أجزاء كبيرة من الإقليم منذ سنة 1975 وجبهة البوليساريو وحركة التحرير الصحراوية التي تأسست سنة 1973 ضد الاستعمار الإسباني، وتواصل كفاحها ضد الاستعمار المغربي بعد اتفاقية مدريد الموقعة بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا سنة 1975، والتي كانت الانطلاقة لنقل الاستعمار من يد إسبانيا إلى يد المغرب.

ويقول الحاج بريكلا، الأمين العام لهذه “الحركة” وهو المنشق عن جبهة البوليساريو منذ سنوات قليلة، بأنه ومن معه يمثلون صوت الشعب الصحراوي ويقدمون حلولا للنزاع بعيدا عن المغرب وجبهة البوليساريو. غير أن الحقيقة التي باتت واضحة هو أن “حركة” بريكلا ما هي إلا نسخة جديدة لكيانات قديمة سابقة، مثل “الحزب الوحدوي الصحراوي” (البونس) الذي أسسه نظام الجنرال فرانكو نهاية سنة 1974 بقيادة خليهنا ولد الرشيد لمواجهة صعود وشعبية جبهة البوليساريو أو “خط الشهيد” الذي أسسه منشق آخر عن البوليساريو، هو المحجوب السالك، في محاولة من المغرب تقسيم صف جبهة البوليساريو، لكنه اندثر ولم يبق منه إلا صاحبه وحده بعد أن انفض من حوله من أسسوه معه حين رأوا تساقط صاحبهم عند أعتاب القصر، وقبله كان “الكوركاس” أو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية الذي ترأسه مرة أخرى نفس خليهنا ولد الرشيد، الذي مارس الخطيئة سابقا مع فرانكو وغاص فيها مع المخزن وما يزال منذ السبعينات. “الكوركاس” أيضا تحول إلى هيكل بلا روح ولم يستطع تقديم أي إضافة للمخزن في حربه الدبلوماسية مع البوليساريو.

النظام المغربي سخر كل الوسائل المادية والدعائية من أجل خلق كيان مواز يشوش على تمثيلية جبهة البوليساريو للشعب الصحراوي، وخاصة داخل الأراضي المحتلة الصحراوية، لأنه يدرك أهمية شق صف الصحراويين. وتتجلى يد المخزن وراء هذه المجموعة الجديدة-القديمة بوضوح كونها رأت النور فقط منذ سنتين بالمناطق المحتلة وبحماية من الشرطة والمخابرات المغربية، واستفادت من كل التسهيلات من أجل النشاط وتوسيع حضورها خلال فترة، فكانت المجموعة الوحيدة المسموح لها بالنشاط بكل حرية بالمغرب وبالمناطق المحتلة في عز أزمة كورونا.

ومن غير المعقول، بل من المستحيل أن تستطيع مجموعة حديثة النشأة أن تؤطر مؤتمرا دوليا بدولة أجنبية وبوسائلها الخاصة دون مساعدة، خاصة إذا ما علمنا أن المؤتمر حضره رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق، سابتيرو، ووزير الدفاع الإسباني الأسبق، بونو، وكلاهما من داعمي مقترح الحكم الذاتي المغربي ومعروفان بقربهما المشبوه من القصر الملكي، مثلهما في ذلك مثل عراب الحزب الاشتراكي الإسباني وقائده الروحي، فيليبي دي غونزاليس قبلهما.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بشدة: كيف يمكن لتيار يقدم نفسه كطرف ثالث، ويدعي الدفاع عن كل الصحراويين، أن يكون محاطا بشخصيات تعتبر ناطقة باسم القصر الملكي، مع أن قطاعا واسعا من الصحراويين إن لم نقل غالبيتهم، يعيشون في اللجوء والشتات، ويقارعون الاحتلال في جبهات القتال وداخل الأراضي المحتلة من أجل الاستقلال؟ وعليه من غير الممكن في حالة مجموعة “صحراويون من أجل السلام” التي تخدم طرح “مغربية الصحراء” أن تكون ممثلة لشعب يناضل من أجل الاستقلال، ولا أن تكون حاملة لطرح ثالث، لأن طرحها بكل بساطة هو الطرح المغربي نفسه يتخفى تحت لباس تقليدي صحراوي من أجل الصورة، ليس إلا.

وفي هذا الموضع، كتب الصحفي الإسباني الشهير، أنطونيو سامبريرو، في تغريدة موجهة للحاج بريكلا، قائلا “من الأفضل لك أن تشرح كيف ستقوم مجموعة صغيرة مثل مجموعتك بالدفع مقابل مؤتمر بحجم المؤتمر الذي تنظمه في جزر الكناري. إن وكالة المخابرات الإسبانية، وليس أنا، هي من تقول إن مجموعتك تم إنشاؤها بواسطة المخابرات المغربية”.


لكن يبدو أن توقيت خروج هذه المجموعة “الحركة” إلى العلن، وتنظيمها مؤتمرا دوليا بدعم من نظام المخزن وبتسهيلات قدمها الحزب الاشتراكي الإسباني بالخصوص لاستصدار التأشيرات للمشاركين، خاصة القادمين منهم من المغرب ومن الصحراء الغربية المحتلة من أنصار النظام المغربي، لم تكن أبدا موفقة حيث جاءت في وقت تصاعدت مكاسب الجمهورية الصحراوية وجبهة البوليساريو الدبلوماسية في عدة عواصم في إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، في حين تحصد الرباط خيبات متتالية، ما يجعل حركة “صحراويون من أجل السلام” تكشف أمام الجميع، بأنها مجرد صناعة مخابراتية مغربية تفتقد إلى المصداقية والامتداد الشعبي، وليست سوى سحابة صيف ستتلاشى كما تلاشى “البونس” و”الكوركاس” و”خط الشهيد”.

المصدر: الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى