التدريس القرآني في الجمهورية الصحراوية أو رحلة اللوح والقلم…
تشكل المحاضر الدينية جزءا من تاريخ وهوية المجتمع الصحراوي، الذي اعتمد على التعليم الاصلي عبر قرون من الزمن، حيث رافقت المدارس القرآنية النابضة بالإيمان، العائلات الصحراوية في حلها وترحالها، تنير الطريق امام الاجيال في حفظ كتاب الله عزو وجل وما تيسر من علوم الفقه والعقيدة واللغة العربية، في مدرسة فريدة توارثتها الاجيال عبر الزمن، وهو ما حافظ على الهوية الوطنية للشعب الصحراوي في دينه ولغته العربية رغم الحملات الاستعمارية ومحاولات التأثير على هذه الهوية والعادات والتقاليد الضاربة في قدم التاريخ منذ دخول الاسلام الى المنطقة.
كما ان التدريس القرآني لم يتوقف في ربوع الساقية الحمراء ووادي الذهب، رغم الاستعمار الاسباني، وما رافقه من غزو ثقافي والمحاولات الحثيثة لنقل الحضارة الغربية وتقديمها كنموذج يحتذى به، وتعليم اللغة الاسبانية، بديلا للعربية التي تستمد قوتها من الدين الاسلامي الحنيف، لكن الاستعمار الاسباني فشل في النيل من هوية المجتمع الصحراوي الذي ظل محافظا على قيمه الدينية وعاداته وتقاليده ووحدته وهو ما ساهم في إعلان تأسيس الدولة الصحراوية في 27 فبراير 1976.
بقي ارتباط المجتمع الصحراوي بالدين الاسلامي وبالثقافة الدينية وثيقا على مر القرون ويحتفي بالمدارس القرآنية التي ظلت تغالب امواج الفتن وحملات التنصير والتيار الاستعماري ومراميه الخبيثة في مسخ الهوية واستئصال الدين، لتشكل الحصن المنيع في ترسخ الهوية الاسلامية لدى النشء والاعتزاز بها، كمركز إشعاع علمي ومعرفي يغذي الروح بالاخلاق الرفيعة والقيم الحضارية وينبوعا لغرس الفضيلة والكرم والشهامة وحمل مشعل الجهاد والشجاعة والاقدام في الذود عن الارض ضد الاطماع الاستعمارية، في رحلة ايمانية، ابحر خلالها اللوح والقلم بالمجتمع الصحراوي الى بر الامان.
كما ان عناية المجتمع الصحراوي قديما وحديثا بالقرآن الكريم حفظا وكتابة ورسما، ظلت قائمة، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ))، وما لذلك من دور محوري داخل المجتمع في تقويم الاعوجاج وتصويب الاخطاء والحفاظ على التماسك والالفة، ونبذ الظواهر السلبية.
وقد شهدت الفترة الاخيرة اقبالا كبيرا على المدارس القرآنية، التي باتت تستقطب التلاميذ من الجنسين ومن مختلف الاعمار، وهو ما شجع على فتح مدارس واقسام قرآنية في مختلف الولايات، الامر الذي وفر مناصب عمل لعدد معتبر من المدرسين والمدرسات ودفع بالوزارة الوصية للشؤون الدينية على التجاوب مع هذا العدد الكبير من خلال تأطير هذه المدارس وتوحيد المنهج الدراسي وجملة من الاجراءات التي تساعد على نجاح هذه التجربة الفتية التي تعزز المنظومة التربوية للدولة الصحراوية في عقدها الخامس.