الصحراء الغربية: مكاسب سياسية و دبلوماسية متنامية.
ما فتئت الدبلوماسية الصحراوية تسجل مكاسب متنامية يميزها الاعتراف الدولي بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية, وذلك في أعقاب مواقف عبرت عنها عدة دول داعمة لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير, رغم مناورات نظام المخزن المغربي اليائسة والمخالفة للشرعية الدولية.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تحقق فيها الدبلوماسية الصحراوية نجاحات وانتصارات كالتي سجلت تباعا مع عدد من الدول مؤخرا, في اعقاب تجديد تمسكها بالعلاقات “المميزة” مع الجمهورية العربية الصحراوية, وبحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره, بدء من البيرو ومرورا بكينيا وجنوب السودان التي قررت أمس الثلاثاء استئناف علاقاتها الدبلوماسية معها. القرار جاء على هامش الدورة ال77 للجمعية العامة للأمم المتحدة, حيث التقى الوفد الصحراوي بوفد جمهورية جنوب السودان لتجسيد “الإرادة القوية” للبلدين لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية, تماشيا مع مبادئ وأهداف الاتحاد الافريقي, باعتبارهما بلدين عضوين في المنظمة القارية, وفي “تناسق تام” مع تاريخهما النضالي المشترك.
نفس الموقف عبرت عنه كينيا ووزارة خارجيتها التي جددت تمسكها بالعلاقات الدبلوماسية “المتميزة” مع الجمهورية العربية الصحراوية, و بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير, مبرزة ان موقفها “يتطابق مع موقف الاتحاد الافريقي والامم المتحدة و قرار مجلس الأمن 690 لسنة 1991 حول ممارسة الشعب الصحراوي لحقه في تقرير المصير”, وفي السياق, قال نائب رئيس جمهورية كينيا, ريغاتي غشاغوا, أن موقف بلاده من الجمهورية العربية الصحراوية, هو الموقف الذي اوضحته وزارة الخارجية الكينية, والذي يتطابق مع مواقف الاتحاد الافريقي و الامم المتحدة.
وبعيدا عن القارة الافريقية, أعادت دول من امريكا اللاتينية بدء من شهر اغسطس الماضي الاعتراف بالجمهورية الصحراوية, ما شكل خيبة كبيرة للدبلوماسية المغربية في هذه المنطقة. و اعتبر مراقبون ان هذه الخطوات تشكل “ضربة قاضية” لمناورات المخزن الذي جند بعض الأطراف واللوبيات, وقدم مقابلا ماديا من أجل عرقلة الدعم المتزايد لصالح قضية الصحراء الغربية.
وفي سياق تنامي الاعتراف الدولي بالقضية الصحراوية, جدد رئيس البيرو, بيدرو كاستيو تيرون, التأكيد أمس الثلاثاء من على منبر الأمم المتحدة, على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين بلاده والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية, وعلى دعم البيرو لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير, وذلك في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة, مشددا على تأييد “الإجراءات التي اتخذها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة (ستافان دي ميستورا) لاستعادة سريان وقف إطلاق النار في الصحراء الغربية, وتعزيز حل تفاوضي وسلمي”.
كولومبيا هي الاخرى قررت استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بعد اتفاق بين البلدين في شهر اغسطس المنصرم, و ذلك تماشيا مع مبادئ و أهداف ميثاق الأمم المتحدة والإتفاق المبرم بين البلدين بتاريخ 27 فبراير 1985.
وتؤكد هذه التطورات الدبلوماسية مدى العزلة التي يعيشها نظام المخزن على الصعيد الدبلوماسي, خاصة بعد مقاطعة المغرب لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الافريقية (تيكاد) الشهر الماضي بتونس, بسبب استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لنظيره الصحراوي, ابراهيم غالي, الذي شارك على رأس وفد هام يمثل بلاده.
ولا تعكس سياسة “الكرسي الشاغر” التي انتهجها النظام المغربي خلال هذا المؤتمر فشله الذريع دبلوماسيا فحسب, بل تجسد خيبته في محاولة تغيير مواقف الدول, أو فرض الرؤية المغربية على العالم, كما أبانت عن تصرف دبلوماسي “غير مسؤول”.
كل هذه المعطيات كرست معالم الدبلوماسية التي أرستها جبهة البوليساريو, والتي ما تزال تسجل المزيد من الانتصارات على اكثر من صعيد, مقابل عزلة متصاعدة لنظام المخزن الذي يحاول أن يستعمل كل الطرق والأساليب والوسائل للخروج من الورطة التي تواجهه, خاصة إزاء حقيقة أن المجتمع الدولي لا يعترف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية. وليست هذه الانتصارات الدبلوماسية لصالح القضية الصحراوية بمعزل عن المكاسب القانونية لجبهة البوليساريو, والتي توجت بالأحكام القضائية الصادرة عن محكمة العدل الاوروبية, بخصوص الحق الحصري للشعب الصحراوي عن طريق ممثله الشرعي و الوحيد جبهة البوليساريو في التصرف في ثرواته الطبيعية.
فالقرار الاخير الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي, على ضوء الإجراءات التي باشرها اتحاد الفلاحين الفرنسيين بشأن وقف الصادرات الزراعية من أراضي الصحراء الغربية نحو فرنسا, جاء ليضيف انتصارا اخر للدبلوماسية الصحراوية, اذ سيسمح بالتطبيق الفعال لحكم محكمة العدل الأوروبية لعام 2016 الذي صنف الصحراء الغربية والمغرب إقليمين منفصلين ومتمايزين, و أن الإتحاد الأوروبي لا يمكنه اعتماد “سلطة” المغرب في الإقليم, بالنظر إلى افتقاره إلى السيادة.